أعد الملف: سامي عبد الرؤوف, مريم بوخطامين, فهد بوهندي
التحرير: أشرف جبريل
الإشراف العام: راشد الزعابي, ناصر الجابري
الإخراج: وائل عبدالمجيد

قد يعتبرها البعض خيالاً علمياً، لكن دولة اللامستحيل، التي صنعت تجربة غير مسبوقة في الخمسين سنة الماضية، قادرة على تحقيق تطلعات قطاعها الطبي في بناء أول مستشفى في الفضاء، وتوظيف مشروع «الجينوم» لتوفير أعلى مستوى رعاية صحية لمواطنيها وسكانها خلال الخمسين القادمة.
في دولة اللامستحيل التي سبقت منطقتها وإقليمها إلى الفضاء، من الطبيعي أن تخطط وزارة الصحة ووقاية المجتمع لمنظومة علاجية افتراضية بالكامل تضع أسسها وتديرها بالكامل كوادر مواطنة تتمتع بأعلى مستوى من الكفاءة، منظومة عصرية يُجري فيها «الروبوت» الجراحات عن بعد، ويوفر «إنترنت الأشياء» رعاية طبية منزلية فائقة، وتتنبأ «رقائق» صغيرة تُزرع في جسم الإنسان بالأمراض وطبيعتها.

منظومة علاج افتراضية
يقول الدكتور محمد سليم العلماء، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع: تدخل الإمارات الخمسين الثانية بأول وزارة افتراضية في العالم، لتقدم حلولاً استباقية للجمهور، وتنجز ملفات وطنية مهمة وتبني أنظمة حكومية تنبؤية للمستقبل، عبر منظومة عمل افتراضية غير تقليدية لإعادة هندسة الخدمات الحكومية.
وأضاف: تتطلع وزارة الصحة إلى صياغة الأهداف المستقبلية للتقدم على المؤشرات الدولية المتعلقة بالرعاية الصحية، وتقديم نموذج رائد في إعادة ابتكار خدمات صحية مستقبلية توفر حلولاً تنبؤية للمرضى، مشيراً إلى أن المشاريع المستقبلية، مبنية على الابتكار الصحي والذكاء الاصطناعي، وتدعم اتخاذ القرارات الاستراتيجية والعلاجية، بالإضافة إلى تعزيز المهارات وبناء القدرات في كافة المستويات، لتوفير خدمات صحية شاملة ومبتكرة وفق المعايير العالمية، لتحقيق مستهدفات الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021 ومئويتها 2071.
وكشف الدكتور يوسف السركال، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد، رئيس لجنة الذكاء الاصطناعي بالوزارة، عن أبرز 10 اختراعات متوقعة في تكنولوجيا الرعاية الصحية يمكن أن توفرها الإمارات في العقود المقبلة، حيث تتطلع الوزارة لأن تكون خدماتها الصحية خلال الخمسين عاماً القادمة مبنية على الابتكار واستشراف المستقبل، من خلال تطبيق استراتيجيات الثورة الصناعية الرابعة التي تركز في محورها الصحي على الرعاية الصحية الروبوتية.
وأكد أن الوزارة ستستفيد من الروبوتات وتكنولوجيا النانو، لتعزيز إمكانات تقديم خدمات الرعاية الصحية والجراحية عن بعد، وتقديم حلول طبية ذكية على مدار الساعة عن طريق التكنولوجيا القابلة للارتداء، ودون تدخل بشري من خلال خدمات ذكية تصل للمتعامل، أينما يكون، معلناً عن بحث إمكانية زرع أجهزة دقيقة في جسم الإنسان تتنبأ بإمكانية حدوث أمراض أو مضاعفات معينة وعليه يتم التدخل من قبل الطبيب المعالج عن بعد باستخدام الأجهزة الذكية والروبوت دون حاجة لنقل المريض للمنشأة الصحية.
إلى ذلك أعلنت الدكتورة، كلثوم البلوشي، مديرة إدارة المستشفيات في وزارة الصحة ووقاية المجتمع، أن الوزارة لديها خطط وبرامج طموحة لتمكين أحدث تكنولوجيات الرعاية الصحية، وأهمها الذكاء الاصطناعي وبلوك تشين، والطب الجينومي والتطبيب عن بعد، مشيرة إلى التكنولوجيا الحيوية وتقنية النانو لمستشفى الفضاء، والطب التجديدي والعلاج بالخلايا الجذعية، واستخدام الروبوتات في الجراحة والأطراف الصناعية، والرقاقات الذكية، والرعاية المنزلية عن طريق إنترنت الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد لتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية.
وكشفت البلوشي، أن من ضمن مشاريع المستقبل خلال العقود الخمسة المقبلة، زراعة الأجهزة الدقيقة والذكية، التي تتنبأ بأي أخطار أو مضاعفات قد تصيب الشخص واستخدام الواقع الافتراضي في الخدمات العلاجية.

 

دعم الكوادر المواطنة وحوافز للكفاءات النادرة
أكد متخصصون في الشأن الصحي، أن الدولة تمضي قدماً في توفير خدمات طبية وفق المعايير العالمية، لكن مع التقدم العلمي المستمر والسريع يواجه القطاع تحديات ومطالب دائمة، يتعامل معها باستراتيجية تتبناها وزارة الصحة ووقاية المجتمع، تستهدف تطوير المنظومة الصحية وتحسين الجودة ورفع الكفاءة وتقديم أرقى الخدمات اللازمة للمرضى.
يؤكد الدكتور مصطفى السيد الهاشمي رئيس الاتصال الحكومي والعلاقات الدولية بمستشفى خليفة برأس الخيمة، أهمية وضع حلول عملية للتحديات التي تواجه القطاع، حتى يواصل تقديم أفضل الخدمات الصحية، وتمكين الكوادر الطبية من التعامل مع المتغيرات الجديدة بسلاسة.
ولفت الهاشمي، إلى أن أكبر التحديات التي يواجهها قطاع الصحة بالدولة تتمثل في قلة الكوادر المواطنة في بعض التخصصات مثل الأطباء ومساعديهم وكادر التمريض والفنيين، الأمر الذي يؤدي إلى استقطاب كوادر من الخارج بمبالغ كبيرة، تؤثر على ميزانية القطاع، مشيراً إلى أن التحدي الثاني هو عدم وجود موازنة صحيحة بين المخصصات المالية على سلم الرواتب وسوق العمل الطبي، موضحاً أن هناك تخصصات نادرة في مجال الطب ومن المفترض أن يكون لها معاملة مالية خاصة، وأكد أن وضع حلول مناسبة لهذين الأمرين يساهم في الارتقاء بمستوى كفاءة وجودة الخدمات المقدمة. ويذكر الدكتور خالد الزعابي طبيب أمراض باطنية، أن قطاع الصحة بالدولة يعد الأقل في النواقص مقارنة بالقطاعات المماثلة في العالم، ورغم ذلك هناك تحديات من السهل اجتيازها، في مقدمتها الوصول إلى أعلى مستوى من الكفاءة والجودة، فمن الضروري أن يكون كل العاملين في القطاع على أعلى مستوى من الكفاءة والتدريب بدءاً من الأطباء حتى الفنيين، مؤكداً أن هذا الهدف يتحقق من خلال التعليم والتدريب المستمر. وأشار إلى تحد آخر يتمثل في قلة مراكز الرعاية الأولية لكبار السن وتركز الموجود منها في مناطق محددة، موضحاً أن إعادة توزيعها بطريقة أفضل يسهم في تقديم خدمات نوعية لهذه الفئة، ويتيح للعاملين اكتساب خبرة ومهارات التعامل معها، والتعرف على احتياجاتها. وقال الدكتور شريف مسعد، استشاري ورئيس قسم الأطفال وحديثي الولادة بمستشفى أمينة بعجمان، أن قطاع الصحة في كل دول العالم يواجه تحديات، تتركز في أغلب الدول في نقص المستشفيات التخصصية، فمثلا من الضروري تخصيص مستشفى لأمراض السكري ومستشفى لأمراض ضغط الدم، مشيراً إلى الحاجة لوجود مراكز متخصصة لعلاج أمراض القلب وجراحاته، وأخرى لعلاج السرطان بأنواعه، مع توفير الآليات والمعدات المستخدمة في تحقيقها. وأكد ضرورة أن تكون هناك مراكز لزراعة الأعضاء ونقل النخاع والخلايا الجذعية في المستشفيات الرئيسة، الأمر الذي يحد من العلاج في الخارج، مع ملاحقة التقدم العلمي السريع ومخرجات ثورة التكنولوجيا التي يعيشها العالم.

تأمين صحي شامل وأقسام طوارئ على مدار الساعة
قدم مواطنون ومقيمون على أرض الإمارات مجموعة من الاقتراحات للارتقاء بالمنظومة الصحية، ضمن استراتيجية الخمسين، بما يضمن تعزيز توفير رعاية صحية متكاملة لجميع المرضى والمراجعين، وتحدثوا عن تطلعاتهم ومقترحاتهم واحتياجاتهم في الجانب الصحي وفي مقدمتها تعميم التأمين الصحي ليشمل الجميع.
يقول المواطن إبراهيم حمد الحمادي: تعميم فكرة التأمين الصحي أمر مهم، ويسهم في تخفيف المعاناة المادية عن المواطنين، مطالباً كغيره بضرورة تعميمه والاستفادة منه في كل المنشآت الطبية في الدولة. وأشارت آمنة حسن الشامسي، إلى تحدي قلة حضانات حديثي الولادة، الأمر الذي يدفع للاعتماد على حضانات من الخارج، إضافة إلى عدم وجود وحدات عناية مركزة للأطفال في بعض مستشفيات الدولة، وبالتالي يبحث الأهالي عن أسرة وشواغر خارج الإمارة.
ولفتت الشامسي، إلى عدم وجود أقسام طوارئ تعمل على مدار 24 ساعة في كل مراكز الرعاية الأولية، وقلة سيارات الإسعاف في بعض المرافق الطبية.
وأكد المواطن عامر النقبي، أهمية تعزيز جانب السرعة والتركيز على أهمية الوقت بالنسبة للمريض، والعمل على تقليل المدة المحددة للمواعيد، فلا تزال هناك قوائم انتظار في بعض المستشفيات، مما يدفع المرضى للبحث عن بدائل أخرى قد تكون خارج الدولة، مقترحاً تشخيص المريض بدقة قبل وضعه في قوائم الانتظار وترتيب المرضى وفق طبيعة الحالة ومدى قدرتها على الانتظار. ويؤكد المواطن عدنان المنصوري أهمية زيادة عدد المراكز الصحية الأولية وتفعيل دورها بشكل أكبر، بحيث تكون المقصد الأول للمريض قبل
التوجه للمستشفيات الكبيرة، حيث يتجنب كثير من المرضى زيارة هذه المراكز لاقتناعهم بأنها لا تضم سوى طبيب عام، ودون أجهزة فحص. وتؤكد المواطنة عائشة الحمادي، ضرورة زيادة أعداد المستشفيات المتخصصة وفي مقدمتها مستشفيات النساء والولادة خصوصاً في بعض الإمارات التي تضم كثافة سكانية كبيرة من المواطنين. وأضاف المواطن أحمد سيف: يجب مواجهة المشكلات الناتجة عن زيادة الكثافة السكانية وأبرزها زيادة الضغط على أقسام الطوارئ والحوادث، مؤكداً أهمية تطوير كافة أقسام الطوارئ في جميع المستشفيات، أو إنشاء مراكز منفصلة للحوادث والطوارئ في المدن الكبرى.

مختبر لمحاكاة طب الـ50
نظمت هيئة الصحة في دبي، أول مختبر من نوعه في العالم، لمحاكاة مستقبل الرعاية الصحية في الخمسين عاماً المقبلة، وتصور ما سيكون عليه القطاع الصحي من تقدم وتطور بعد 5 عقود، وطرحت الهيئة مجمل المشروعات والمبادرات وما لديها من أهداف للمناقشة والحوار، في ملتقى للعصف الذهني، وتصدرت مواضيع التجربة الصحية الاستثنائية والحياة المستدامة وطب الفضاء النقاشات.
وبلورت الهيئة العديد من الأفكار المبتكرة والخلاقة، في رؤية موحدة وأجندة عمل محددة البنود والمسارات، لتعزيز جودة الحياة ودعم أنظمة الرعاية الصحية المتكاملة، حيث شهد المختبر مناقشات وتفاعلاً متواصلاً بين الحضور حول 7 محاور رئيسة، تضمنت تجربة صحية مستقبلية استثنائية، حياة برفاهية صحية مستدامة، شباباً دائماً، حياة بلا ألم، الإنسان الخارق، طب الفضاء، ومستقبل اقتصادات الصحة.